السبت، 23 أغسطس 2014

هذه هي التدوينة الأخيرة من سلسلة تدوينات (ملحمة تسعير البرمجيات). نسأل الله ان تكون مسك الختام.
ابتدأنا في  المقالة الأولى بالتأسيس لمجموعة من القواعد والأسس التي يجب ان نضعها نصب اعيننا حال التقييم، ثم انتقلنا في المقالة الثانية للحديث عن بعض طرق التقييم الفعالة ولم نسهب في هذا الأمر بل اكتفينا بما نراه شائعا وفعالا. كلا المقالتين الأولى والثانية يعتمدان على اوراق بحث وتجارب منشورة في مجلات عالمية وكتب علمية، قمنا بصياغتها من خلال تجربتنا الشخصية في الوطن العربي ومصر. في هذه التدوينة سنكلل عملنا بالأشارة الي ما اعتبره خلاصة تجربة شركتنا خلال 14 عاما في مجال البرمجيات.

هذه المقالة  تستند في اكثرها على خبرة شخصية كما اشرت، واستعنت بنتائج ورشة عمل قام بها استشاري يدعى علاء العجماوي سنة 2009 وهو من الشخصيات البارزة في صناعة البرمجيات في مصر.

الأمور التي ساتناولها في هذه التدوينة، عادة مايغفلها اصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويعاني منها اصحاب الشركات الكبيرة.
بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة فعادة مايتم اغفال امور مؤثرة في عنصر التكلفة بشكل ضخم وهي:
  1. تكاليف الوظائف الأدارية في الشركة ودور الخبرة فيها.
  2. التكلفة الحقيقية (على مدار السنة المالية) للوظائف والأدوار الفنية بصفة خاصة وكل العاملين في الشركة بصفة عامة.
  3. مصروفات ادارية اخرى.

اولاً: تكاليف الوظائف الإدارية في الشركة.

 المخ يمثل 6% من وزن الجسم، في حين انه يستهلك 20% من موارد الجسم (اكسجين وسكر).
الأدارة العليا تمثل المخ !!!. (تأمل هذه العبارة وتفكر فيها)
 عادة ما يتم تقييم المشاريع في قطاع عريض من الشركات -كما ذكرنا في المقالتين السابقتين- بناء على تقييم جهد المبرمج والمختبر او مجموع تكاليف الأدوار الفنية في المشروع وفقط. وعادة مايتم التقييم على هذا النحو في الشركات التي لا تنتهج سياسة تسعير تتضمن ان يجتمع كامل فريق العمل مع الأدارة لتقييم المشروع.
وقد نذكر عبارة تتردد في كثير من شركاتنا:
 "ياسيدي هذا المشروع سيقوم عليه مبرمج لمدة شهر مرتبه 5000 جنيه، نبيعه احنا بــ 10000 جنيه" !!!
هذه العبارة اعتقد انها تتكرر كثيرا خصوصا في الشركات الصغيرة وفي المصرية منها.
ما يحدث هنا هو ان الأدارة تنظر بشكل ضيق جدا على التكلفة وتغفل تكاليف قطاعات اخرى هامة مثل الأدارة العليا والمبيعات والحسابات. في الشركات الصغيرة هناك على الأقل رجل مبيعات واحد ربما يكون مدير الشركة وعادة ما يتم اغفال تكاليف جهده والتي تشمل سعيه في الحصول على الصفقة وادارة المشاكل مع العميل في حال حدوثها فضلا عن قيامه بأعمال ادارية وتنظيمية وتسويقية اخرى وعلاقات عامة. هذه التكلفة من الصعب تمثيلها بنسبة ثابتة، لأنها تختلف باختلاف طبيعة المشروع ونوع العميل والظروف المحيطة بالمشروع. لذلك انصح الا يتم اعتبار هذا العامل بنسبة ثابتة في المشروع وان ينظر له في كل مشروع على حدة.

اغفال حصة الأدارة العليا، او صاحب الشركة في التكاليف يؤدي الي عجز مالي اكيد داخل الشركة والذي بدوره يؤدي الي احد كارثتين. اما ان يضحي صاحب الشركة بمستحقاته المالية في سبيل دفع اجور موظفيه، او ان يقوم بالعكس. كلاهما كارثة محققة تؤدي الي فناء الشركة مع الوقت.

ثانيا: التكلفة الحقيقية للعمالة على مدار السنة

لو كان لديك موظفين دائمين فقد يدهشك فعلا حجم الأنتاجية لهم على مدار السنة. تأمل معي الجدول التالي الذي يوضح عدد ايام السنة وعدد الأيام التي تخصم منها في امور مختلفة.


نلاحظ ان عدد ايام العمل الفعلية في السنة تمثل 48% من السنة، اي ان الشركة تدفع مرتبات الموظفين شهريا على مدار السنة في حين ان الموظف يعمل فترة اقل من نصف السنة ! ... مبدئيا هذا ليس اعتراض، فكل ايام العطلات هذه عبارة عن استحقاقات، نحن فقط ننبه عليها.
بعد هذه الاحصائية التي تدعو للتشائم قمت باحصائية اخرى على العمالة الفنية -تحديدا مبرمجين ومختبرين.
عدد ساعات العمل الرسمية : 8 ساعات يوميا، منها ساعة راحة. بالطبع الـ 7 ساعات الأخرى ليست في اجتماعات او جلوسا على المكتب، فهناك اوقات الصلاة، والشاي والقهوة، والحمام، وبعض الأحاديث الجانبية، والحضور المتأخر ... الخ. في تجربتنا طلبنا من الموظفين ان يسجلوا ساعات العمل الفعلية، وكانت النتائج كالآتي:
اقل عدد تم تسجيله في يوم هو ساعتين.
اكبر عدد ساعات تم تسجيله هو 5 ساعات !.
اي ان نسبة ساعات العمل الفعلية لعدد ساعات العمل المفروضة بين 28% الي 70% كحد اقصى !!! وهو مايمثل بين 30% الي 40% من اجمالي السنة.
دعونا نذكر ان هذا ليس مقالا عن تحسين الأنتاجية ، واننا نذكر بهذا -فقط- كي نأخذه في الأعتبار حين التسعير لمشروع جديد.
هذا معناه ان تكلفة العمالة المهنية في اي مشروع حال تقييمه لاتمثل الا 30% من القيمة الحقيقية لتكلفة نفس البند (تكلفة العمالة المهنية). بمعنى اخر :
 التكلفة الحقيقية للعمالة المهنية (الفنية) في المشروع = التكلفة الفنية المرصودة * 3.3
قترات الركود بين المشروعات هي امر اخر خطير، في العادة لا تأتي المشروعات تباعا، وانما هناك فترات ركود بين كل مشروع واخر، هذه الفترات  يمكن ان تستنفذ كل المكسب، حيث انك لازلت تدفع فيها مرتبات رغم عدم وجود اي اعمال تعود بربح على الشركة.
هذا بافتراض ان المشروع سار على مايرام من حيث الفترة الزمنية والميزانية المرصودة، والعميل السابق لم يتأخر في الدفع ولم يخصم غرامات تأخير، والعميل القادم لم يتلكأ في التعاقد. !!!
اذن يجب اخذ فترات الركود بين المشاريع في اعتبارات عملية التسعير، ونسبتها تعتمد على خططك المستقبلية وحجم المبيعات المتوقعة واحتمالية كل عملية بيعية !

ثالثا: مصروفات ادارية اخرى.

لا تنس هذه البنود اثناء عملية التسعير.
  • التامينات الأجتماعية واي نوع اخر من التأمينات تقوم به.
  • ضرائب الدخل، والمبيعات (مع العلم ان البرمجيات معفية من ضريبة المبيعات)
  • العمولات.
  • مكاتب المحاسبة التي تقدم عنك الأقرار الضريبي اخر العام.
  • مرتبات العمالة غير المباشرة (محاسب، عمال نظافة ... الخ).
  • فواتير الكهرباء والمياه والتليفونات والأنترنت والأيجار واي امور اخرى على نفس الشاكلة.
  • اهلاك الأجهزة (تكييفات، كمبيوتر، ...الخ).
ابحث في كل مصادر الأنفاق في الشركة لديك وضع لها نسبة في تسعير اي مشروع.

نصائح اخيرة

  قد يظن القارئ انه في ظل هذه الحيثيات مجتمعة سيكون التسعير خياليا وخارج نطاق المنافسة.  وخصوصا اذا كان امامك منافس ضرب بكل هذه الحيثيات عرض الحائط او لا يعلم عنها، وفي هذه الحالة لابد ان ندرك امورا هامة:
1- المنافسة في هذه الحالة هي دور التسويق والمبيعات والمفاوضات والتركيز على القيمة المضافة. ومع الوقت يمكنك اكتساب ميزة تنافسية من خلال تطوير ادوات تساعد على انجاز العمل في وقت اقصر وتكلفة اقل.
2- دورك دائما ان تحرص على توازن مثلث المفاوضات او الموائمات (كما في الشكل المقابل)
3- لاداعي ان تورط نفسك في مشروع تعلم ان نسبة فشله كبيرة.

 احيانا تضطر الشركة ان تقوم بتنازلات على كل محاور مثلث المفاوضات لأنها تمر بوقت عصيب وفي حاجة الي سيولة نقدية عاجلة، وفي ظني ان هذا السلوك الذي يؤدي في ظاهره الي اكتساب وقت اضافي للشركة، الا انه ليس الا ترحيل لمشكلة السيولة النقدية مع تعظيمها لاحقا، فأنت بحصولك على هذا المشروع تزود من التزاماتك مع عدم وجود اي رؤية للوفاء بتلك الألتزامات !

من خبرتي الشخصية، اعتقد انه لايمكن لشركة برمجيات تعتمد فقط على بيع خدمة البرمجة ان تنجح، خاصة في مصر، وانه لابد ان يكون لها منتج تعتمد عليه بشكل رئيسي كمصدر للسيولة النقدية، وتكون مشاريع البرمجة كعامل مساعد فقط وليس كمصدر رئيسي للدخل.


Subscribe to RSS Feed Follow me on Twitter!